بين لقمة العيش وفرحة العيد.. معاناة الآباء في دوامة الأعباء المعيشية

بقلم: د. سامح فرج حموده
مع اقتراب نهاية شهر رمضان واستعداد الأسر لاستقبال عيد الفطر، يجد الآباء أنفسهم في مواجهة ضغط متزايد بين توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم وسداد الديون المتراكمة. فبين لقمة العيش، ومصاريف الشهر الكريم، وملابس العيد، تزداد الأعباء المادية، مما يجعل الكثيرين منهم يواجهون تحديات اقتصادية مرهقة.
يقول “م.ع”، وهو موظف حكومي وأب لثلاثة أطفال، إنه يجد نفسه كل عام في نفس الدائرة، حيث يحاول تدبير مصاريف رمضان من طعام وشراب، ثم تأتي ملابس العيد ومتطلباته، دون نسيان الفواتير والديون التي تتراكم بسبب الغلاء، مما يجعله يشعر وكأنه يعمل فقط لتغطية الأساسيات دون أي مجال للادخار أو الرفاهية.
من جانبه، يؤكد “أ.س”، وهو عامل يومية، أن ضيق ذات اليد يجعله يشعر بالعجز أمام طلبات أبنائه، حيث يسأله أطفاله عن ملابس جديدة مثل أصدقائهم، لكنه بالكاد يستطيع توفير طعام اليوم. أحيانًا يضطر للاستدانة، ويظل يسدد الديون حتى يأتي رمضان التالي، فيدخل في دوامة جديدة.
ولا تقتصر الأزمة على الأسر الفقيرة فحسب، بل تمتد إلى الطبقة المتوسطة، حيث تشير الإحصائيات الاقتصادية إلى أن نسبة التضخم أثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين، مما زاد من شعور الآباء بالضغط النفسي والتوتر المستمر.
الأمر لا يتعلق بالجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد إلى التأثير على الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة. يوضح أحد الخبراء في علم الاجتماع أن الضغوط المالية المتزايدة تؤدي إلى زيادة التوتر والخلافات بين الأزواج، مما ينعكس سلبًا على الحياة الأسرية، كما أن إحساس الأطفال بالحرمان مقارنة بأقرانهم قد يؤثر على نفسيتهم بشكل ملحوظ، وقد يلجأ بعض الآباء إلى الاستدانة أو البحث عن حلول مؤقتة تزيد من أعبائهم على المدى البعيد.
ولمواجهة هذه الأزمة، يرى خبراء الاقتصاد أن الحل يكمن في التخطيط المالي المسبق، حيث يجب على الأسر وضع ميزانية واضحة قبل بداية رمضان تشمل احتياجات الشهر والعيد، مع محاولة تقليل المصاريف غير الضرورية. وينصحون أيضًا بنشر ثقافة الترشيد في استهلاك الطعام والشراب خلال رمضان لتجنب الإسراف الذي يرهق الميزانية.
كما أن الاستفادة من العروض والتخفيضات على الملابس والسلع الأساسية، وشراء مستلزمات العيد قبل الموسم بفترة، يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط المادي. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات غذائية وملابس بأسعار رمزية، مما قد يكون بديلًا للاستدانة.
إلى جانب ذلك، يرى بعض الخبراء أن تعزيز التكافل الاجتماعي بين الأسر قد يكون حلًا مهمًا، حيث يمكن تبادل الملابس بين الأطفال أو تقديم المساعدة بين الأقارب والجيران، مما يقلل من الأعباء على الجميع.
في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، يبقى الأمل في تغيير ثقافة الإنفاق، وزيادة التكافل الاجتماعي، والعمل على تحسين مستوى المعيشة عبر سياسات اقتصادية داعمة للأسر محدودة الدخل. ورغم صعوبة الظروف، فإن الوعي بالمشكلة والسعي لإيجاد حلول عملية يمكن أن يخفف من وطأتها، ليكون رمضان شهر بركة ورحمة لا شهر ضغط ومعاناة.
ويبقى السؤال: هل سنشهد مستقبلاً حلولًا حقيقية تخفف عن الآباء أعباء الحياة؟ أم أن هذه الدوامة ستظل تلاحقهم عامًا بعد عام؟




